طالع السعود الأطلسي
مساء الجمعة الماضي، بمقر وزارة الخارجية بالرباط، وقف السيد ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية المغربية يشرح ويوضح قرار مجلس الأمن الخاص بنزاع الصحراء ألمغربية، وقد خلت كلماته ونبرات صوته من أي زهو بالقرار، ولم يرشح من كلامه أي نفس ظفراوي…كان سيكون مستحقا لو كان حصل.
لم يكن الوزير ظفراويا… لأنه لم يفاجئ بالقرار… كان يتوقعه… كل الجهد الدبلوماسي ألمغربي الطويل النفس الهادئ المنسق والدقيق الذي حرك آليات إنتاج القرار الأممي… كان الوزير حاضرا فيه ومتابعا لتفاصيله… أما في الجزائر العاصمة زميله رمطان العمامرة تحاشى الوقوف أمام الإعلام… حتى لا ينكشف انفعاله… وأصدر بلاغا أطلق فيه نيران غضبه على مجلس الأمن والأمم المتحدة وحتى باقي الأمم المتفرقة والناس أجمعين…فاجأه القرار الأممي لأنه صدر من خارج توقعاته وحساباته وتوهماته. بل إن القرار الأممي قضم من الجزائر قدرا هاما من مدخراتها الدبلوماسية… أو ما كانت تعتقدها مدخرات .
سعت التحركات الدبلوماسية ألجزائرية وبالنفقات السخية لعدة لوبيات بأن “يجب ” القرار لشهر أكتوبر 2021 ما قبله من مقررات منذ 2018 … أطلقت من منصات عدائها للمغرب… وابلا من الشائعات ومن الأخبار الزائفة وقذائف تحامل ضد علاقات دول وازنة مع المغرب…كل ذلك، بعضه انفجر في الجو وبعضه الآخر لم يصب أهدافه… إلى أن “بزغ” قرار مجلس الأمن بحقيقة أن قيادة الجزائر لم تكن تتحرك سوى في الطرة و لا أثر لها في المتن.
قرار مجلس الأمن خلا من أي وقع ولا حتى بصمة لفعل جزائري دبلوماسي ولا سياسي ولا حتى مجامل. الطلقات الجزائرية كانت ” فشنك “… امتناع روسيا عن التصويت، يتضمن اعتبارا للمغرب…رغم صراعها المحتدم مع واشنطن، حاملة القلم في المجلس… كانت الجزائر ستفضل “فيتو ” روسي يعطل إصدار القرار… امتناع تونس هو الآخر، “تمرد” على الضغط الجزائري السياسي، الذي كان يأمن رفضا تونسيا واضحا، و في الأوضاع التونسية الحالية الهشة والمحاطة بمخاطر متعددة المصادر والجهات والحدود.
القرار لم يعترض عليه أحد من أعضاء المجلس. و صراحة وافق عليه ثلاثة عشر عضوا وضمنهم أربعة من دول الفيتو … ودول كانت مضمونة في حسابات الجزائر مثل كينيا… أو دول لم تكن واضحة مع المغرب في موضوع مغربية الصحراء وها هي قد عادت إلى إسناد المسار السلمي الذي اقترحه المغرب… دول أهملت صياح أو حتى نحيب دبلوماسية الجزائر… وتنحاز للنداء السلمي المغربي، الواقعي والمنطقي والعملي والقابل للتوافق عليه… ولا حاجة هنا لأن نسمي ذلك “مقترح الحكم الذاتي”… مواصفاته تدل عليه و تؤدي إليه.
قرار الجمعة سيكون له وقع تاريخي لأنه تغذى من كل القرارات السابقة على الأقل منذ 2018… وهو اليوم يعيد التأكيد على محتوياتها ويقدمها في شكل “كناش التزامات” أو بتعبير مألوف “دفتر تحملات” لمهمة المبعوث الأممي الجديد ستيفان دميستورا… وبلغة الإعلام الذائعة إنه خارطة طريق للدبلوماسي الأممي في تعاطيه مع النزاع…الذي أطاله العناد الجزائري لما يقترب من نصف قرن… أمام مبعوث الأمين العام مهمة واضحة وبعناوين ومساطر عمل واضحة ومقررة في المحفل الدولي… بهذا القرار بلور المجتمع الدولي … وعبر عراك دبلوماسي طويل، شاق ومتعرج … بلور مفاهيم أساس ومرجعية لتناول نزاع الصحراء المغربية… هي في الجملة “ثقافة” أطلقتها المبادرة المغربية باقتراح الحكم الذاتي… امتلك الملك محمد السادس وبحس القائد التاريخي حكمة فتح متنفس للصراع نحو الحل، عبر اقتراح الحكم الذاتي لجهات الصحراء المغربية ضمن السيادة المغربية… وفي خلفية المقترح توفير انسحاب مشرف للجزائر من نزاع توغلت فيه ولا يفيدها… وأيضا تخليص البوليساريو من النزعة الانفصالية فيها وإدماج طاقات أفرادها في النهضة المغربية، والتي اندمج فيها أغلبية مواطنينا في الأقاليم الصحراوية منذ 1975 وأسدوا إليها جزيل العطاء الوطني، الاجتماعي والسياسي والثقافي.
رفض القيادة الجزائرية للقرار لن يفيدها لا في إخماد مفعوله، ولا في فك عزلتها الدبلوماسية…أما هتافات العاملين في البوليساريو وتهديداتهم فلا وقع لها اليوم كما لم يكن لها في الأمس… بدليل أن مجلس الأمن لم يلحظ أي أثر لها يستوجب الذكر والاعتبار.
القرار الأممي ليوم الجمعة يمثل ضغطا على دواسة البنزين تحقيقا للسرعة القصوى للحل السياسي السلمي لنزاع الصحراء المغربية… والقرار نفسه ينسف كل جسور العودة لما وراءه وكان قبله… لأن المجتمع الدولي يسعى إلى التقدم في حل النزاع… و ليس أمامه من مقترح واقعي سلمي وسياسي وقابل للدوام غير ما دعا إليه القرار الأممي وعبر حوارات ومفاوضات رباعية الأطراف حول موائد مستديرة… وليس أمام قيادة الجزائر غير الإمثتال للقرار أو العويل ضده والذي لا يعفيها من مسؤوليتها في النزاع الحالي ومسؤوليتها في المشاركة كطرف معني بحله.
الحل السلمي في صيغته الرسمية اليوم…نهج اقتحمه ألمغرب بشجاعة ومسؤولية وبحس تاريخي… وفي المنطلق كان الطريق وعرا حاد النتوءات وحتى موحشا… اليوم بات الطريق السلمي مبلطا ولينا بالشرعية الدولية…ألم يقول الروس في مثل لهم شائع…”يطوع الطرق من يمشي عليه” … السير المغربي الدءوب والحكيم أزاح أكثر الصعوبات وطوع طريق الحل السلمي. حتى أضحى اليوم مؤمن بالشرعية الدولية.
لا عودة للوراء ولا ممر إلى القرار الدولي بالوهم الجزائري في نسف التقدم الأممي نحو الحل السلمي… إنه التزام دولي صريح وصارم… والجزائر أمامها خيار التفاعل معه… أو التوغل في عنادها وفي الانعزال في الاتجاه المعاكس للتاريخ.