خالد خالص
أثار قرار رئيس مجلس النواب المغربي بإحالة برلمانية على لجنة الأخلاقيات بسبب تطرقها لموضوع النقل الحضري بمدينة فاس خلال مناقشة قطاع السياحة جدلاً دستوريًا وسياسيًا واسعا، إذ يشكل هذا القرار مسًّا بحرية التعبير البرلمانية وضربًا لمقتضيات الفصل 64 من الدستور، الذي يضمن حصانة النواب داخل البرلمان.
دور البرلماني لا يقتصر على مناقشة المواضيع المدرجة فقط، بل يشمل مراقبة الحكومة وإثارة قضايا تؤثر على حياة المواطنين، بما في ذلك النقل الحضري، خاصة إذا كان مرتبطًا بقطاع السياحة، إذ يمكن اعتباره من متطلبات تطوير هذا القطاع. وقد دأب نواب الأمة على مناقشة معضلة النقل الحضري، وكانت الحكومة، عبر وزير الداخلية، تتفاعل مع قلق النواب بشأن هذا القطاع الذي له ارتباط بالعديد من القطاعات دون أن يُعتبر ذلك خروجًا عن اللياقة أو مبررًا للإحالة إلى لجنة الأخلاقيات.
وعليه، فإن قرار رئيس مجلس النواب بإحالة البرلمانية على لجنة الأخلاقيات يفتح الباب أمام تأويلات قد تُستخدم مستقبلاً لتقييد عمل النواب، وهو ما يتعارض مع المبادئ الديمقراطية وروح الدستور.
ومع ذلك، فإن جوهر النقاش لا يتعلق فقط بمدى اختصاص البرلمانية في طرح قضية النقل العمومي داخل جلسة تناقش السياحة، وهو أمر يدخل ضمن صميم دورها الرقابي، بل أيضًا بطريقة التعامل مع الواقعة. فقد يكون التوجه إلى رئيس الحكومة بلهجة حادة بعبارة “الله يعطينا وجهك” أمرًا مألوفًا مقارنة بما تم التطبيع معه داخل قبة البرلمان في عهد حكومات سابقة، – ونستحضر هنا وصف الحسن الثاني رحمه الله للبرلمان “بالسيرك الكبير”-، لكنه في الوقت نفسه قد يثير النقد بناءً على مدونة الأخلاقيات البرلمانية لسنة 2024، ولا سيما المادة 390 التي تنص على أنه “يجب على النائبات والنواب التعبير عن آرائهم بلباقة واحترام، وتجنب استعمال ألفاظ أو عبارات تنطوي على التهديد أو الترهيب أو الاستفزاز أو الشتم.”
وبالرغم أن العبارة قد تحمل طابعًا “استفزازيًا”، وقد كان من الممكن استبدالها بتعبير أقل حدة، مثل “أنا لا أريد أن أكون مكانكم” (Je n’aimerais pas être à votre place)، تفاديًا لأي تأويل قد يُستغل لضرب جوهر النقاش السياسي فإنه كان بإمكان رئيس مجلس النواب من جانبه في نظرنا الاقتصار على تنبيه البرلمانية شفويا إلى حدة خطابها وأسلوبها، بدلًا من تبرير الإحالة بمسألة هي من صميم اختصاصها.
يعكس هذا الجدل الحاجة إلى التوازن بين احترام الاختصاصات والمؤسسات، وبين ضمان ممارسة النواب لدورهم الرقابي بحرية تامة، دون تقييد غير مبرر للحصانة البرلمانية التي تشكل جوهر الديمقراطية التمثيلية.