مصطفى سلمى ولد سيدي مولود – بقدرة قادر و ذكاء و اشتغال مغربي متأني، جعلت تطورات نزاع الصحراء من منطقة المحبس مفتاح الحرب و السلم في الصحراء، و لم يكن أحد من قبل غير ناس السمارة او الزاك او تيندوف يعلم بوجود شيء إسمه المحبس.
المحبس التي يرد ذكرها يوميا في بلاغات حرب البوليساريو، و قالت الجزائر أنها أوفدت تلفزتها إليها قبل سنتين، و باتت تستقطب وفودا رسمية و فعاليات مدنية مغربية و دخلت سجلات التمية بعد ان بقيت مجهولة و مهملة لعقود، تشهد منذ 13 نوفمبر 2020 معارك، لا تقتصر على الجنود كما قد يتبادر لذهن المتلقي، بل هي ساحة حرب اعلامية و سياسية و رسائل متبادلة بين المغرب و الجزائر و البوليساريو و موريتانيا، و الامم المتحدة، و ذلك راجع لاهميتها الاستراتيجية في معادلة نزاع الصحراء بعد 13 نوفمبر 2020.
رسالة المغرب عن اهمية “المحبس” جسدها التخطيط الترابي للجهات الذي أخرج الجماعة من خارطة منطقة النزاع و ضمها لجهة كلميم واد نون منذ فترة قبل العودة للاعمال العدائية الحالية.
و في قطاع المحبس الشبر الذي صرح الساسة و العسكريون الجزائريون بعد 13 نوفمبر أنه لا ينبغي للمغرب ان يقترب منه. و يقصد به الكلمترات التي تفصل بين الحدود الجزائرية و إقليم الصحراء، بعدما باتت تلوح في سماء المحبس صورة كركرات جديدة، ستخرج البوليساريو المسلحة من دائرة النزاع، إن شمل الحزام الدفاعي المغربي الكلمترات ال (15) التي تفصل بين الحزام و ملتقي الحدود الموريتانية الجزائرية عند نقطة الكلمتر (75) من تيندوف ، فلا يبقى للجزائر التي تأوي قواعد الجبهة العسكرية أي إتصال جغرافي مع إقليم منطقة النزاع، و تصبح البوليساريو مشكلة للداخل الجزائري بعد ان كانت قضية الجزائر الاولى خارجيا.
عقدة المحبس ليست وليدة ما بعد أحداث ال13 نوفمبر 2020، فقد بدات عام 1985 لما شمل الحزام الدفاعي المغربي قطاع المحبس، و قد كان ظاهره وقتها منع البوليساريو من التسلل إلى الاراضي المغربية غير المتنازع عليها، و لتاكيد القصد سيلاحظ المتابع ان الحزام تقوس قليلا الى الوراء عند نقطة ملتقى الحدود (75)، و كانت خطوة تكتيكية ذكية لتعمية الجزائر عن أبعاد ما وراء اللحظة الراهنة.
الشطر الرابع من الحزام الدفاعي في الواقع كان مغنما مغربيا استراتيجيا مؤجلا، سيكتشف عسكر الجزائر بعد (35) سنة أنه خطأ قاتل كان بإمكانهم تفاديه لو منعوا المغرب من إتمام شطر الحزام ذلك سنة 1985، و قد وجدوه بعد استفاقتهم من صدمة الكركرات 2020، يطوق ولاية مدينة تيندوف من الشمال و الغرب، و يفصل الجزائر جغرافيا عن الاقليم المتنازع عليه، إذ لم يُبق لهم من منفذ نحو الصحراء غير شريط ضيق مكشوف بعرض عدة كلمترات يحاذي الحدود الموريتانية خاضع لرقابة عسكرية مزدوجة مغربية-موريتانية، يمكن لأي من البلدين الجارين غلقه في أية لحظة.
مغرم و مغنم كل طرف في قطاع المحبس، الذي أبان عنه إعلان جبهة البوليساريو العودة للحرب اواخر 2020، سيكون ضابطا لإيقاع التوتر الحالي عند مستوى منخفض من الشدة، و سبب مباشر لإنهاء النزاع حول الصحراء، إما سلما باتفاق بين جميع الاطراف او بقتال بين الجزائر و المغرب من المرجح ان يغير معطيات المنطقة المغاربية ككل.