سجلت الهند في الأسابيع الأخيرة عدة الاف من حالات الإصابة بالفطر الأسود بين صفوف بعض مرضى كوفيد 19. بسبب خطورة هذه الإصابات والارتفاع المفاجئ لعدد الحالات المسجلة بين مرضى كوفيد، انتشر ذعر، غير مبرر، بين الناس في المنصات الاجتماعية. ليس هناك ما يدعو للقلق ببلادنا ولا في أغلب دول العالم. فهذا المرض قديم ونادر جدا، أقل من حالتين في كل مليون نسمة سنويا.
تعرف الهند ارتفاعا ملحوظا في أعداد المصابين بسبب عدة عوامل مجتمعة في الهند وليس في غيرها من الدول، منها موجة عاتية من الإصابات اليومية بكوفيد 19 ، ووجود مرضى السكري الغير منضبط بالهند بأعداد كبيرة جدا من دون تكفل طبي ملائم، وظروف بيئية وصحية مواتية لانتشار هدا النوع من الفطريات هناك.
هذا المرض ليس جديدا، بل يرجع تشخيصه لأول مرة الى حوالي قرن ونصف من اليوم. وليس هناك ما يدعو إلى الهلع.المرض نادر وليس معديا، أي لا ينتقل من شخص لآخر، ولا ينتشر إلا إذا توفرت له عدة ظروف منها المناعة المنخفضة لدى المرضى، وخلل كبير فيشروط النظافة، والاستعمال المفرط او العشوائي لبعض الادوية المثبطة لمناعة جسم الانسان.
الفطر الأسود ليس مرضا جرثوميا ولا فيروسيا بل ناتج عن الإصابة بنوع من الفطريات، وبالضبط الفطار المخاطيMucormycose.هذه الفطريات هي كائنات دقيقة ميكروبية تتواجد بكثرة في البيئة المحيطة بنا، في النباتات والفواكه وأوراق الأشجار في طور التحلل وفي الحيوانات. والفطريات من طبيعتها انتهازية: في العادة لا تتسبب في أي أمراض، بل يتعايش معها الإنسان بشكل عادي، ومناعة الجسم تقاوم بسهولة تلك الفطريات. لكن ما أن يصاب الإنسان بمرض، أو يتناول أدوية تُضعِف مناعة الجسم بشكل كبير حتى تنتهز الفطريات الفرصة للتسلل إلى داخل الجسم مستغلة عدم قدرة مناعته على مواجهتها.
يدخل الفطر الأسود جسم الانسان عن طريق الاستنشاق وأحيانا عبر جروح في الجلد. يصيب الانف والجيوب الأنفية ويتسلل الى الرئتين وأحيانا للعين والدماغ وأعضاء أخرى. يصيب هذا الفطار المخاطي الأوعية الدموية بانسداد، ومن ثم تمَوت الأنسجة وميلها للسواد على مستوى الوجه، ولذلك سمي بالفطر الأسود.
يتربص الفطر الأسود بكل المرضى الذين يعانون من أمراض تثبط المناعة وأولها مرض السكري الغير منتظم بالحمية والعلاج. وهو مرض نادر وموجود في كل دول العالم ولكن بحالات قليلة. لكن الهند دائما تسجل مستويات أعلى من الفطر الأسود حتى قبل الجائحة، ربما بسبب مناخها الحار والرطب الدي يسهل الإصابة بالفطريات بشكل عام ووجود الكثير من مرضى السكري بالملايين بالهند دون تتبع طبي ملائم.
وقد لاحظ الأطباء تزايد الحالات مؤخرا لدى مرضى كوفيد 19 المصابين بالسكري الغير منضبط والذين دخلوا المشافي وتلقوا الأوكسيجين وأدوية الكورتيزون التي تحارب إلتهابات كوفيد وتنقد حياتهم، ولكنها مثبطة للمناعة. كما أن احتمال غياب النظافة واحتمال تلوث أجهزة توصيل الأوكسيجين أدى إلى تزايد الحالات في ظل وباء كوفيد المستعر بالبلاد.
تبدأ اعراض الإصابة بالفطر الأسود بالتهاب وإنسداد الأنف، إرتفاع درجة الحرارة، انتفاخ وألم في جهة من الوجه، أحيانا سعال مصحوب بالدم، ألم وانتفاخ بالعين، بقع سوداء على الوجه، لدل أُطلق عليه إسم الفطر الأسود. يجب بدأ العلاج فورا، ويتطلب دلك عدة أسابيع بمضادات الفطريات. أحيانا يكون التدخل الجراحي لإزالة النسيج المصاب ضروريا بما فيها إزالة العين المصابة لوقف انتشار الفطر لأعضاء أخرى كالدماغ وتجنب الوفاة. للأسف نسبة الوفيات كبيرة وتقدرها الدراسات ب 50%،وتختلف حسب الإصابة ومناعة المريض والتشخيص المبكر من عدمه والتكفل والعلاج الفعالين.
رغم ندرة الإصابات بالفطر الأسود فان درجة خطورته تدفع الأطباء للتنبيه لعدم إهمال علاج مرض السكري بشكل فعال ومنتظم، وعدم التعاطي للأدوية كالكورتيزون والمضادات الحيوية بشكل عشوائي وبدون استشارة طبية، والاستشارة الطبية المبكرة عند ظهور الاعراض على هدا الصنف من المرضى.
وخلال جائحة كوفيد، الاستمرار في احترام نفس هده الارشادات مع إلتزام التدابير الاحترازية والتلقيح لتجنب الإصابة بكوفيد لدى الجميع وخصوصا لدى المصابين بداء السكري أو أمراض مزمنة اخرة مثبطة للمناعة والتي تشكل فرصة تنتهزها الفطريات.