د.محمد أشلواح
بعد احتجاز فريق نهضة بركان وأقمصته بمطار”الهواري بومدين بالجزائر”، تردَّد على لسان مسؤولين جزائريين وفي الإعلام الجزائري كلام، مثير للإنتباه، عن “السيادة الوطنية” للجزائر!، فما هي خلفيات استعمال تعبير من هذا القبيل( السيادة الوطنية) و ماهي دلالات ذلك؟
لمعالجة خلفيات ودلالات التحدث عن “السيادة الوطنية” (للجزائر) في سياق واقعة “نهضة بركان”، لا بد من توضيح أن السلطات الجزائرية خرقت هي نفسها سيادة القانون الجزائري.
نشير بداية بأن السيادة لا تعني الاطلاقية في ممارسات أية دولة في تعاملها داخليا وعلى الصعيد الدولي، فأي سلوك مهما كان يجب أن يمارس من كافة السلطات في إطار من الشرعية والمشروعية، وذلك حتى لا يكون هناك مساس بحقوق الأفراد..والدول تحت ذريعة “السيادة”.
أولا: خرق السلطات في الجزائر للقانون الوطني الجزائري وسيادة القانون.
تنص المادة الأربعون من الدستور الجزائري على أنه “يحظر أي عنف بدني أو معنوي أو أي مساس بالكرامة”، وعليه فسلوك الشرطة الجزائرية ومختلف سلطات “النظام” في الجزائر فيه خرق واضح لمقتضيات القانون الداخلي الجزائري، مادام أن أشخاصا محسوبين على السلطات الجزائرية استعملوا كل أنواع الكلام النابي والمستفز والمهين، في حق البعثة الرياضية المغربية، كما تناقلت ذلك مختلف وسائل الإعلام.
فالسلطات الجزائرية تعلم جيدا بأن ذات البعثة الرياضية تتحرك في إطار الاجراءلات التي يفرضها القانون الجزائري نفسه(وقانون الكاف)، خاصة جوازات السفر..، ومع ذلك تم احتجاز البعثة الرياضية عمدا وتم التعامل مع الفريق المغربي(نهضة بركان) وكأنه مجموعة “مهاجرين سريين”، وهذا السلوك مُورس ضدا على نص المادة الأربعون من الدستور الجزائري الذي يؤكد على “..حظر ..المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ..”.
فـ”السلطات” الجزائرية بالإضافة إلى أن سلوكها غير مشروع ويخالف القانون الوطني للجزائر نفسها، فإن الأشخاص الذين كلفهم النظام ب”التواصل” مع الفريق المغربي مارسوا أعمالا بلطجية ذات طبيعة عنصرية أقرب إلى سلوك عصاباتي منه إلى سلوك مسؤولين يمثلون دولة ذات مؤسسات ويعملون في إطار القانون، فواضح أنها سلوكات نابعة من ثقافة جُبِل عليها هؤلاء والتي تنهل من تعاليم عصابة من يحكمون الجزائر والتي تفتقد لكل حس قانوني أو أخلاقي.
إن التعاطي مع أفراد “معزولين”(فريق نهضة بركان) وفق سلوك عدواني كان في الواقع يهدد أمنهم، وكذا سلامتهم الجسدية والنفسية، ف”السلطات الجزائرية”، التي كان عليها التواصل مع”الكاف” في أي موضوع ترى أنه يتنافى ومقتضيات تنظيم لعبة كرة القدم، أو “يقحم السياسة في الرياضة “، ارتأت عوض ذلك احتجاز أعضاء الفريق المغربي دون أساس قانون ودون وجه حق. وكل ذلك في خرق سافر لمقتضيات الدستور الجزائري الذي يفرض على الدولة في الجزائر أن تقوم بواجبها لمنع انتهاك حقوق الإنسان، كما ذهبت إلى ذلك المادة الأربعون من الدستور الجزائري والتي تقول “تضمن الدولة عدم انتهاك حرمة الإنسان “.
إذ كيف ل”دولة” خرقت أسمى قانون لها(الدستور الجزائري)- دون أن نتحدث عن التزاماتها الدولية في مجال القانون الدولي لحقوق الانسان- أن تؤسس لبناء دولة الحق والقانون، دولة حقوق الإنسان والعدالة..وأن تحترم الضيف وتكرمه وفق قواعد بروتوكولية وأخلاقية، لتعزز أواصر الأخوة والود والصداقة المفترضة أن تعم بين شعبين شقيقين؟!
إن السيادة تفترض سيادة القانون، فالخروج عن القانون يعني انتهاك السيادة ذاتها. فماذا يعني “الجزائريون” أو الذين يتحدثون باسم السلطات الجزائرية، أو الذين يعبرون عن توجهات “النظام” في الجزائر ب”السيادة”؟
إن انتهاك سيادة القانون باسم “السيادة” دليل على التوجهات التي تحكم”النظام في الجزائر”، فبدل أن تتحمل “الدولة” الجزائرية مسؤوليتها وتعترف بأن سلوكها ضد الفريق المغربي سلوك فيه خرق واضح لحقوق الإنسان وبالتالي ضرورة مساءلة من ارتكبوه، طبقا للمادة الواحدة والأربعون من الدستور(الجزائري) التي تقول بأنه” يعاقب القانون على المخالفات المرتكبة ضد الحقوق والحريات، وعلى ما يمس سلامة الإنسان البدنية والمعنوية”، تتطاول، عوض من ذلك، على القانون باسم السيادة!!.
ثانيا: خلفيات ودلالات التحدُّث عن “السيادة الوطنية” للبلاد (الجزائر) في سياق واقعة الاعتداء على “نهضة بركان”.
ماذا يعني تردد”السيادة الوطنية” في خطاب إعلام “النظام الجزائري”؟
إن مواجهة وضع الخريطة الطبيعية للمملكة المغربية بخطابات من قبيل أن الأمر يتعلق ب” السيادة الوطنية للجزائر” لا يخرج، حقيقةً، عن الاعتقادات التالية:
الإعتقاد الأول:” النظام” الجزائري يرى أن وضع الخريطة التي تشكل الدولة المغربية على “قمصان” الفريق المغربي؛ نهضة بركان لكرة القدم، فيه نوع من المساس ب”السيادة الوطنية الجزائرية”!. هذا يقودنا إلى ثلاثة مسائل غاية في الخطورة:
المسألة الأولى: أن الجزائر تعلن بشكل واضح أن لها أطماع في التراب المغربي الذي تؤطره الخريطة التي تشكل الدولة المغربية المطبوعة على أقمصة فريق “نهضة بركان”، وهذا الأمر يخالف قواعد القانون الدولي وفيه تهديد للسلم الاقليمي، باعتبار الأمر يتنافى مع مبدأ الوحدة الترابية للدول، الذي تؤكد عليه كل المواثيق الدولية وخاصة ميثاق الأمم المتحدة.
المسألة الثانية: أن جزء كبير من “المسؤولين” الجزائريين، الذين قاموا بالسطو على السلطة والقرار في البلاد، لهم جهل مطبق بمعنى السيادة ومعناها ومظاهرها، وهذا معطى مؤكد بتكرار أحداث وسلوكات تنم فعلا على أن الذين يمسكون بمصير الشعب الجزائري السياسي والرياضي والثقافي والاقتصادي.. لا يفقهون شيئا لا في القانون ولا في ماهية مصلحة الجزائريين، فواضح أنهم يجرُّون مستقبل الأجيال الراهنة والمستقبلية-عبر توظيف شعارات فارغة(“السيادة الوطنية”)-نحو الهاوية.
المسألة الثالثة: أن الجزء الآخر، من الطغمة الحاكمة، يعمل بكل الوسائل المتاحة على ممارسة التضليل والكذب على الشعب الجزائري ويوهمه بأن هنا شيء اسمه” السيادة الوطنية”، لتبرير ما يتخذ من قرارات تافهة وكذا في محاولات بائسة منه(الجزء)لخلق نوع من “الاجماع الوطني” الوهمي، والبحث عن الشرعية المفقود “للنظام” العسكري، الذي يريد أن يؤسسها باستمرار من خلال رفع درجة العداء للمغرب و المس برموزه ووحدته الترابية. وهذه السلوكيات معروفة منذ ستينيات القرن العشرين مارسها المتعاقبون على الحكم في الجزائر وارتفعت حدَّتها خصوصا في عهد “شنقريخة” و”حكم ” “التبون”.
السيادة في جانب منها مفهوم ذو طابع إيديولوجي برز بشكل أساسي مع ظهور الدولة القومية لتبرير امتلاك السلطة من طرف الملوك والأمراء في أوروبا، ف”الكراغلة” الذين يحكمون الجزائر في الحقيقة ليست لهم القدرة- كما أثبتث الوقائع والأحداث- على استيعاب التاريخ ولا الحاضر وما أدراك المستقبل، لذلك مَهمَا تنبهت فطنتهم فهم عاجزون تماما عن فهم وتوظيف ما جاد به “جون بودان” من أفكار حول السيادة.
الاعتقاد الثاني: أن الحديث عن “السيادة الوطنية”، في معرض الاعتداء على فريق نهضة بركان المغربي، لكون أقمصته في نظر “نظام التبون” مطبوع عليها خريطة “وهمية”، اعتقاد يؤكد في الحقيقة وجود تصوُّر وهمي لدى “النظام” الجزائري، لا يتمثل فقط في محاولة تشكيل ودعم كيان انفصالي في المنطقة يسمى البوليساريو، بل اعتقاد يُبرز أن هناك أوهام حقيقية عند ذات النظام تتمثل في العمل من أجل الحصول على”سيادة” على منفذ عَبْرَ المحيط الأطلسي! عن طريق تجزيئ الوحدة الترابية للمغرب، رغم أن هذه الأوهام، في الواقع، تم القضاء عليها نهائيا وبشكل لا رجعة فيه، منذ أن وضع الجدار الأمني وتَكَرَّس الأمر بعد أحداث الكركرات.
الاعتقاد الثالث: يتمثل في أن تردِيد “النظام” الجزائري وأبوقه لكلام؛ “السيادة الوطنية”، في سياق احتجاز أقمصة نادي نهضة بركان المغربي، بدعوى تضمينها لأرض غير مغربية، هو دليل قاطع على أن البوليساريو يَعُدُّها “النظام” الجزائري ضمن نطاق سيادة الجزائر ويتحرك بخلفيات يؤطرها هذا الاعتقاد، فكل يوم ومع كل حدث تتضح النوايا الحقيقية للعصابة الحاكمة في الجزائر.
اعتقاد تؤكد في الواقع ثلاثة حقائق أساسية:
الحقيقة الأولى أن أطروحة “الشعب” الصحراوي و”مساندة تقرير المصير” مجرد شعارات فارغة يستعملها “النظام” الجزائري لتبرير صرفه لأموال طائلة في مسألة لاتعني الشعب الجزائري، لا من قريب ولامن بعيد.فليس هناك من بلد في العالم، غير “النظام” في الجزائر، كرَّس كل مجهوداته الدولية؛ الدبلوماسية والسياسية والمالية لصالح تنظيم أضحى اليوم يصنف كتنظيم يقوم بعمليات إرهابية ويسرق ويتاجر في المساعدات الإنسانية، ومتورط في أعمال تهريب البشر واحتجاز وارتكاب جرائم ضد الإنسانية.. .
لذلك، فالبوليساريو مجرد آداة لخدمة أجندة “النظام” الجزائري ويستعملها لتحقيق أهدافه الداخلية والخارجة.
الحقيقة الثانية: معظم من في مخيمات تندوف أصبحوا اليوم بمثابة جزء من الجزائر، فعلى هذه الأخيرة أن تجد لهم حلا. فالعديد من المرتزقة هناك هم قَيْدَ التحول إلى قنابل سوف تنفجر، طال الزمن أو قصر، في وجه “النظام” الجزائري، كما أن هناك مؤشرات تؤكد بالملموس أن جزءا كبيرا من قيادة البوليساريو ضاقت ذرعا من تصرفات “النظام” الجزائري، ويبدو أنه ما هي إلاَّ مسألة وقت لتقوم بعمليات انتحارية عسكرية انتقامية ضد التهميش والتوظيف الذي طالها منذ عقود.
الحقيقة الثالثة: أن إقحام نقاش “السيادة” في سياق واقعة قمصان “نهضة بركان” يطرح بقوة ضرورة الدفع في اتجاه المطالبة باستعادة المغرب لسيادته على العديد من المناطق الشرقية للبلاد، بما فيها منطقة تندوف التي تؤكد الوثائق والتاريخ أنها أرض مغربية.
الحقيقة الرابعة: أن الجزائر طرف أساسي في ملف الصحراء المغربية، بل هي المسؤول الأول عن استمرار هذه الملف، بدون حل، وهي المسؤولة عن الانهاكات الجسيمة لحقوق الانسان والقانون الدولي الانساني في مخيمات تندوف، لذلك فما على “النظام” الجزائري إلا الامتثال لقرارات مجلس الأمن والتي تعتبر الجزائر طرف في نزاع الصحراء.
إن عدم تطبيق الجزائر لقرارات مجلس الامن، يتطلب من هذا الأخير الانتقال إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة في حق “النظام” الجزائري، الذي يقوم، في كل مرة بسلوكات مستفزة وعدائية للمغرب ولوحدته الترابية ترتقي إلى مستوى تهديد السلم والأمن بالمنطقة.
الاعتقاد الرابع: إن “النظام” الجزائري يرى أن في افتعال وإثارة موضوع خريطة المغرب على قمصان نادي فريق بركان المغربي لكرة القدم سوف يحقق من ورائه هدفين أساسيين:
الهدف الأول؛ توظيف ماينتج عن هذا الافتعال من نتائج للتغطية أولا على فشل “النظام” الحاكم في تدبيره للازمات الداخلية الاقتصادية والاجتماعية.. المتفاقمة، وثانيا للتغطية على فشله الخارجي؛ الدبلوماسي والسياسي في معالجة كل القضايا الاقليمية والدولية. فواضح أن “النظام” الجزائري يكرر نفس الاسطوانة، كونه ضحية لمكائد “القجع” والكولسة..، فمنذ سقوط المنتخب الجزائري لكرة القدم أمام المنتخب الكامروني في تصفيات مونديال قطر لكأس العالم، وما تلاه من قيام “النظام” في الجزائر بتوظيفٍ للإعلام والمؤثرين بشكل فج للتضليل والكذب على الشعب الجزائري والترويج بأن المبارة ستعاد و،و.. منذ هذه المؤامرة المختلقة و”النظام” الجزائري يحاول أن يُعيد نفس الرواية في مرات عديد وبشكل بليد!!
إنها “استراتيجية” أصبحت مفضوحة ومكشوفة لدى الجميع، لذلك كان رد فعل الجماهير الجزائرية هذه المرة- مع نهضة بركان- مستنكرا لمثل هذ الاستغباء الواضح الذي يستعمله “النظام” الجزائري، عن طريق إقحام السياسة في الرياضة. وهو الأمر الذي جعل معظم الجزائريون يطرحون، اليوم، سؤالا معقولا هو: ما شأننا نحن الجزائريين في خريطة المغرب إن وُضعت على أقمصة فريق بركان أوغيره؟
الهدف الثاني: إفتعال من هذا القبيل يريد من ورائه “النظام” في الجزائر خلق “حدث” يحاول من خلاله إثارة أن هناك شيء يسمى البوليساريو، وما إلى ذلك من الأوهام المرتبطة به، فذات “النظام” لا يريد أن يفهم أن ما يقوم به؛ مجرد ضحيج بدون فائدة، وجعجعة بدون طحين ولايريد أن يُصدِّق بَعْد أن البوليساريو انتهت، بحكم الواقع والقانون، كما تؤكد الحقائق التالية:
-أن أطروحة البوليساريو لم تعد ليصدقها المجتمع الدولي، فهذا الأخير أصبح مقتنعا تماما بأن الأمر يتعلق بمحاولة لفصل جزء من المغرب وليس مسألة “تقرير المصير”، وهذا ما تعبر عنه، اليوم، قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وتقارير الأمين العام الأممي وكذا أحكام المحاكم الدولية، مما يجعله(المجتمع الدولي) يُلحُّ على حل الملف في إطار السيادة الوطنية للمغرب ويؤمن بمبادرة الحكم الذاتي.
-أن الدول أصبحت لها قناعة راسخة بسيادة المغرب على صحرائه، لذلك بادرت إلى تأكيد هذه القناعة، عبر العديد من التعبيرات القانونية والمواقف السياسية(فتح تمثيليات دبلوماسية في الاقاليم الجنوبية للمملكة، سحب الاعتراف بالبوليساريو، إعلانات وبيانات تعترف بالحقوق المشروعة للمغرب على صحرائه..).
-أن المغرب محصن لحدوده الجنوبية وعمليا قواته على إقليمه وأرضه،كما أن المملكة المغربية ماضية في تفعيل نظام الجهوية، في البلاد، والذي يتيح تدبيرا تشاركيا ديمقراطيا للشأن المحلي، نظام يعمل من جانبه على ترسيخ جودة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتنموية بالمناطق الجنوبية للمغرب. هذا الأخير في صحرائه والصحراء في مغربها أحب من أحب وكره من كره.