Ads 160x600
Ads 160x600
الرئيسية / / تامغربيت / بورتريه.... الحاج الحسين التولالي رائد فن الملحون

بورتريه.... الحاج الحسين التولالي رائد فن الملحون

جمال هنية 01 فبراير 2022 - 11:00 تامغربيت

الملحون ديوان المغاربة وسجل حضارتهم، وهو ذو قيمة مزدوجة، فنية وجمالية، ثم ثقافية وحضارية، حيث يتمتع فن الملحون، إذن، بمجموعة من أنواع ومظاهر القيمة – شعرا وإنشادا – مما يجعله مؤهلا بامتياز للتقاطع مع العديد من فنون القول والتفاعل مع عدد من ألوان الإبداع.

و الحاج الحسين التولالي رائد الملحون المغربي، أحد كبار فن القول، من مواليد منطقة تولال سنة 1924 بدوار الخلط ضاحية مدينة مكناس، عاش طفولته في أسرة قروية تشتغل بزراعة الورد، وكان هو مزارعا متمكنا في زراعة الورد، واجتذ بته الموسيقى وهو في ريعان شبابه، كان يحفظ قصائد الملحون عن طريق الإصغاء لأنه لم يكن يحسن القراءة والكتابة، ومع ذلك استطاع أن يكون فصيحا في الإنشاد. تمكن من اقتفاء أثر سيدي قدور العلمي، وغيره.. كان يتنقل من منطقة إلى أخرى ليحضر جلسات الملحون

في مقاهي مكناس، سنوات الأربعينات، كان الفرنسيون ينجذبون أكثر للأغاني الكلاسيكية، ولم تكن للملحون جاذبية، لكن تباشير عشق الحسين لهذا الفن الأصيل انطلقت من إحدى المقاهي العتيقة التي أصبح يتردد عليها في مكناس المشهورة والمعروفة بأداء الملحون، خاصة في شهر رمضان المبارك.

لمس الشيخ الخياطي مدى انبهار الفتى التولالي بهذا النوع من الغناء، ودعاه لحضور جلسات طرب في المقاهي المكناسية. وكان يسمح له، بين الفينة والأخرى، بالانضمام إلى فريق الكورال ومداعبة آلة العود، في زمن كان الطرب الشرقي يحقق أعلى نسبة استماع. فحفظ عنه القصائد عن طريق الرواية الشفهية وكانت أول قصيدة يحفظها الحسين قصيدة «زاوكنا فحماك» للشاعر عبد الهادي بناني، المعروفة بـ«الحجة».

لاحظ والد التولالي خروج الابن عن السطر التقليدي المرسوم له، ورفضه الاشتغال بالزراعة والرعي، وإصراره على نظم قوافي الشعر شفويا، بالإصرار نفسه الذي رفض خلاله ولوج المدرسة، ما جعل بعض سكان تولال يشجعونه على ركوب موجة الفن، ولا يترددون في دعوته لإحياء بعض الحفلات الدينية وكذا المناسبات الوطنية، ولو بعيدا عن عيون المخبرين.

قرر الوالد البحث عن زوجة لابنه قبل أن تجرفه مقاهي مكناس، بعد أن أشعره الجيران بوجود الحسين على مرمى حجر من عالم الطرب الذي كان يتعارض مع طبيعة عائلة محافظة تعيش على الكفاف والعفاف. وكانت عائشة القندوسي هي التي وقع عليها الاختيار لتساهم في عملية انتشال الشاب الحسين من مقاهي مكناس، أو هكذا كان يبدو للأسرة التي لطالما حذرت ابنها من مغبة الارتماء في أحضان الطرب.

شاءت الصدف أن يتغير مسار الحسين بعد زواجه، فمباشرة بعد استقلال المغرب تكونت جمعيات تعنى بالتراث الأصيل، وفي مقدمته الملحون بإيعاز حينها من وزير التعليم عبد الكريم الكداشي في أول حكومة مغربية مستقلة. وكان الحسين بصوته العذب من مرشحي الإذاعة الوطنية لتسجيل قصائد الملحون، فدخل عالم طرب الملحون وربط اسمه بهذا النوع من الغناء الذي يمتزج فيه الفني بالروحاني.

ولأن الحسين كان يركز على القصائد الدينية والصوفية، فإن زوجته شجعته على الاستمرار في هذا النهج، واعتبرت أول مستمعة لقصائده قبل أن يتعرف عليها الجمهور، بل إن ملاحظاتها كانت تجد لديه مساحة من التفهم، سيما حين يتعلق الأمر بمقاطع غزلية تحتاج لشيء من التقليم.

لكن زوجة الحسين تختلف عن كثير من زوجات الفنانين، ونادرا ما ترافقه في أسفاره الخارجية والداخلية، بل إنها لم تتردد على المعهد البلدي للموسيقى في مكناس الذي كان زوجها مدرسا فيه لفن الملحون، وقيل إنه من النادر أن تحضر سهراته حتى في مدينة مكناس.

لعبت عائشة دورا كبيرا في تتبع المسار الفني لزوجها، وكانت تمده برأيها حين يتعلق الأمر بصنعة الغناء انطلاقا من التسجيل على الأسطوانات، ثم الشرائط الإذاعية وصولا إلى الكاسيط، قبل أن تعايش معه النقلة المتمثلة في البث التلفزي الملون بدلا عن الأسود والأبيض، ثم مرحلة الشريط المدمج وبعده «الفيديو كليب».

في سنة 1958 انضم إلى جوق مولاي أحمد المدغري للموسيقى الأندلسية، وأصبح يرافقه في جوقه. برع التولالي في إنشاد قصائد الملحون مثل عبد الكريم كنون ومحمد بوستة سويط ومحمد دلال والحسين غزالي وعبد الله الرمضاني وسعيد كنون وأخرون …

الحسين التولالي أول من درس الملحون بشكل علمي بمدينة مكناس في المعهد التابع لوزارة الشؤون الثقافية أنذاك، وتتلمذ على يديه مجموعة من خيرة العازفين و المنشدين أبرزهم الأستاذ المنشد سعيد المفتاحي سفير الملحون و أحد أبرز الأصوات الإنشادية في فن القول المغربي البليغ

ومن بين القصائد التي أبدع فيها قصيدة: “الحراز” و”غيثة” و “الدمليج” و”عاري عليك ” و”الشهدة” ، ثم قصيدته الشهيرة “فاطمة”.

استطاع الحسين التولالي أن يحول مساره الحافل بالعطاء، إلى مدرسة قائمة الذات في فن الملحون، كان لها الفضل في تألق العديد من النجوم…

إلى أن انتقل إلى جوار ربه يوم 7 دجنبر 1998، بمنزله بدرب الجنان بالصباغين بمدينة مكناس.

فبفقدان هذا الهرم الفني خسرنا شيخا مجددا ومبدعا متميزا.

 

 

شاركها LinkedIn