الرباط – تمخض التعديل الذي خضعت له حكومة عزيز أخنوش، عن تعيين شخصيتين قادمتين من عالم المال والأعمال على رأس وزارتي الصحة والتعليم، اللتين تمثلان العمود الفقري للخدمات الاجتماعية في المغرب.
يتعلق الأمر بتعيين أمين التهراوي وزيراً للصحة والحماية الاجتماعية، ومحمد سعد برادة وزيراً للتربية الوطنية.
هذه “البدعة السياسية”، تعكس توجها متزايدا لدى الترويكا الحاكمة لوضع الوزارات الحيوية اجتماعيا، في قبضة رجال الأعمال بدلاً من رجالات السياسة والخبراء المختصين في المجالات المعنية.
إن منح هذه الحقائب لأشخاص قادمين من القطاع الخاص، بغض النظر عن كفاءتهم في إدارة المشاريع المالية والاقتصادية، يشكل ضربة مباشرة لتقاليد الحكامة العمومية. فنحن نتحدث هنا عن وزارات تتطلب تفهماً عميقاً لقضايا المواطنين، وخصوصاً في مجالات حساسة كالصحة والتعليم، التي تمس حياة الملايين من المغاربة يومياً.
الصحة والحماية الاجتماعية: صحة المواطنين ليست سلعة
في قطاع الصحة، الذي يتطلب قيادة إنسانية أولاً وقبل كل شيء، لا يمكن النظر إلى صحة المواطنين من منظور الأرقام والاقتصاد، لأن السياسة الصحية لا تحتاج إلى رؤية تجارية، بل إلى خبرة في إدارة الأزمات الصحية وفهم عميق لاحتياجات المواطنين.
وبالتالي فتعيين رجل من عالم المال على رأس هذا القطاع يثير تساؤلات حول الأولويات التي ستتبعها الوزارة. ولعل أهم سؤال يفرض نفسه هنا هو :” هل سيتم التعامل مع الصحة كخدمة عامة للمواطنين أم سيتم تحويلها إلى فرصة استثمارية لصالح نخبة صغيرة؟”
التعليم: الاستثمار في المستقبل أم في الحسابات الاقتصادية؟
أما في وزارة التربية الوطنية، فقد كان القرار أكثر صدمة، لأن التعليم الذي يعد أساس بناء مستقبل الأمة، لا يمكن تدبيره بنفس المنطق الذي تتم به إدارة الشركات.
ومن هنا مشروعية المخاوف التي أثارها تعيين رجل الأعمال، محمد سعد برادة، على رأس هذا القطاع، حيث لا يخفي الكثير توجسهم من أن يتحول التعليم مع الرجل إلى مشروع استثماري بدلاً من كونه مشروعاً وطنياً لبناء الأجيال القادمة.
غموض الاستراتيجية الحكومية
هذا التوجه الذي تسير فيه حكومة أخنوش يعكس بوضوح أن التحالف الحكومي يبتعد تدريجياً عن منطق التسيير العمومي الذي يعتمد على الخبرة والمعرفة المتخصصة، لصالح إدارة ليبرالية ترتكز على رؤى السوق والاقتصاد.
فماذا بعد؟ هل سنرى مستقبلاً رجال الأعمال يديرون كل الوزارات، بما في ذلك العدل والداخلية؟ وهل سيتم التعامل مع قضايا العدالة وحقوق الإنسان كما يتم التعامل مع الأسهم والصفقات؟
إن تعيين رجال المال على رأس وزارات الخدمات الاجتماعية يفتح الباب واسعاً أمام تساؤلات جوهرية حول مستقبل الحوكمة في المغرب. هل نحن بصدد خصخصة غير معلنة للخدمات العامة، يتم بموجبها تحويل الوزارات إلى مؤسسات اقتصادية بإدارة رجال الأعمال؟
مستقبل المغرب بين أيدي من؟
والآن هنا.. أو حكومة أخنوش مرة أخرى،
من حق المواطنين التساؤل: هل أولويات الحكومة تتماشى مع متطلبات الشعب، أم أن توجيه البلاد نحو اقتصاد السوق بدأ يتسلل إلى كل جوانب الحياة العامة؟..
في انتظار الجواب الذي ستحمله قادم الأيام، يظل أمر واحد مؤكدا هو أن الصحة والتعليم لا يمكن أن يُدارا بعقلية السوق، لأنهما ليسا سلعة تُباع وتُشترى، بل هما حق لكل مواطن، وواجب على الحكومة أن تضمنه بأعلى مستويات الكفاءة والإنسانية.